lundi 17 avril 2017

تهميش صفاقس و العبث بذاكرتها

تحتفظ صفاقس بنرجسيتها تلك القلعة الصغيرة عالية الاسوار صغيرة المساحة مقارنة ببقية المدن التونسية و كما يقال ( صغير و حيّر) , صفاقس حيّرت البايات و حيّرت العدوان الفرنسي و حيّرت بورقيبة و زبانيته .

صفاقس المدينة الدولةحكمت نفسها بنفسها و لذلك انطلقت منها دائما الثورات ضد نظام البايات المثقل لكاهل الرعية التونسية و الذي حفر في ذاكرتها بشاعت سياسة الملوك و الصبايحية و المحلة حتى أنه لتزال آثارها بصفاقس  فالطريق التي تأتي منها المحلّة مرورا بمدن الســاحل حتى الى صفـــاقس من ثمّ الى قابس تسمـى بثنيّة " السلطنيّة" أي المحلّة السلطانية التي تأتي لترفع الجباية او التي تأتي منها الصباحيّة حتى يفتكوا محاصيل او صغار الفقراء الذين لا يقدرون على دفع الضرائب أو حتى تقاوم من يتعنت في دفع الجباية.

    كانت اخر ثورة  قبيل الاستعمار ثورة الباي مشري و عسل التي ابطلت " الماكس" كما تغنى بها الشاعر أحمــد ملاّك , أما أيّام الاستعمار ضربت صفاقس حدثا مع التاريخ العربي الاسلامي بإعلانها الانفصال عن الحسينيين و الولاء للباب العالي أي الخلافة الاسلامية باسطنبول كما ورد بالرسالة التي وجهها وجهاءُ المدينة  إلى الوالي العثماني في ليبيا طالبوا فيها السلطان عبد الحميد مدّهم بالدّعم والوقوف إلى جانبهم في محنتهم. 
وجاء في خلاصة الرّسالة الموجودة بالأرشيف العثماني أنه "على إثر سماع أهالي البلدة أن ّالفرنسيين يُرسلون العساكر إلى صفاقس بالبواخر أعلن الأهالي تبعيتهم للسّلطنة السنية ورفضهم لقبول العساكر الفرنسيين، فقوبل ذلك بضرب البلدة بالمدافع. وعندما كانت المدافع على مقربة من السّواحل أطلق الأهالي طلقات مدفعية فألحقوا الأذى بباخرتين ، لكن السّفن الفرنسية ابتعدت من السّواحل، ولذلك فطلقات المدافع لا تصل إليها في الوقت الحاضر، وإذا نزل الفرنسيون إلى البرّ فإننا بعون الله نقاومهم بشجاعة، بيد أن الطلقات التي تأتي من البحر سوف تخرب المدينة. لقد اجتمعت كلمة الأهالي على الدّعاء للسّلطنة السنية ، وهم بانتظار وصول العون منها، وبناء على ذلك لن يستسلموا وقرروا مقاومة العدو بكل بسالة. نحن نلتمس إسعافنا بالمدد بمقتضى الواجب الإسلامي، ونرجو إبلاغ الباب العالي على وجه السرعة بما يتعرض له الأهالي من التضييق والخوف من الباي الذي اختار أن يقف في صف العدو الفرنسي ضد المسلمين، والتعجيل بإرسال المدد" (الأرشيف العثماني وثيقة رقم Y.PRK. ASK 10/69, LEF 2).
في تلك الايام كانت تونس تحت حكم اول عجوز و وطرطور في نفس الوقت ( محمد الصادق باي) الذي وقف إلى جانب الفرنسيين ضد شعبه وآثر السلامة والذلة على العزّة والشهامة. ولذلك فقد سخر منه شعبه وأطلق بشأنه السخريات...

في تلك أيام أيضا برز مناضلين أهمهم  الشيخين الحاج محمد كمون والحاج محمد الشريف و المناضل على بن خليفة النفاتي المشهور  تحدثت عنه صحيفة "ترجمان الحقيقة" العثمانية الصادرة في مدينة اسطنبول بتاريخ 13 جويلية 1881م أن " علي بن خليفة " زعيم المقاومة في صفاقس أرسل رجالاً ورسائل إلى مناطق كثيرة في الجزائر وطرابلس الغرب والمغرب الأقصى وحتى إلى أواسط أفريقيا ومصر يستحثهم للالتحاق بالمقاومين في صفاقس لمواجهة القوات الفرنسية في البلاد ومهاجمة الباي الذي قبل بالدّخول في صفّ الفرنسيين. وبالفعل فقد تمكن من جمع نحو 20 ألف مقاوم، وأعلنوا أن الجهاد ضد الفرنسيين واجب مقدس. 
وعلى الرغم من عدم تكافؤ القوى فقد تمكن الشيخ علي بن خليفة من قيادة معارك باسلة أظهر خلالها قدرات عسكرية فائقة وبطولات حيّرت الضباط الفرنسيين الذين كانوا يقودون الحملة مما حدا بالمؤرخ الفرنسي "مارتال" إلى القول في كتابه "حدود تونس الصحراوية الطرابلسية": "إنّ فرسان الشيخ علي الأبطال قد وقفوا سدّا منيعا أمام الجيش الفرنسي بمدافعه وتجهيزه الحربي الكبير حيث اضطروه إلى القبوع في مواقعه والاحتماء بسفنه 15 يوما، ولولا وصول المدد ونفاد الذخيرة عن المقاومين لكانت أحواز صفاقس مقبرة للفرنسيين، ولانقلبت الآية لصالح الثورة في المعركة التي انتهت يوم 17جويلية 1881م"  .


برقية تلغراف من {روسطون} إلى وزير الشؤون الخارجية

« تونس في 8 جويلية 1881، الساعة 11 و 40دق
إتصلت توّاً بالبرقية التالية من قبطان (La Reine Blanche)
لتبلغ وزير البحرية :

صفاقس قُصفت بالمدفعية. الـ(شاكال) حطّمت منصّة لإطلاق القذايف ذات إحدى عشرة قطعة منصوبة على الساحل. الصفاقسيون يرُدون لكن تصويباتهم ليست مُصيبة. الـ(شاكال) لم تُصب لكن المنصّة أصلحت ليلاً. كثير من القتلى و الجرحى. يُذكر أن 200 صفاقسي مُسلحين مُصرون على المقاومة. جنود الباي يُحيّون طلقات الصفاقسية : يستحيل التعويل عليهم. هذا الصباح قنبلنا المدينة و قصبتها. نتائج جيّدة كرمي لكن دون جدوى لضمان عملية إنزال. الوضع صعب.
إننا في وسط ثورة جهوية و ليس لدينا القوة الكافية لعمل سريع و إننا سنتعرّض لفشل خطير لو حاولنا هجوماً مُفاجئاً ... المُقاومون حول صفاقس بين 10 و 15 ألف. المدينة جيّدة التحصين. مُنشآت تحصينية أنجزت حولها. إقتحامها صعب من جرّاء قلّة العُمق و كثرة الوحل. الجنود التونسيون يكونون أحسن في سوسة. لو ترسلون المدد. (La Reine Blanche) و (l'Alma) لم يتبق عندهما إلا 15 يوماً من المؤونة. إبعثوا ما يكفي شهرين لكل منهما كذلك قذائف و بارود لـ(شاكال) و (Pique). إحتفظ بـ(La Sarthe) و الجنود، إنه يستحيل المسافنة...» 

طيلت أيام الحصار أظهر الصفاقسية أعظم مظاهر التآزر و الفناء في حبّ الوطن , كما يروي أجدادنا رغم أنّ مروياتهم  الشحيحة فيها جانب أسطوري و خوارق الكرامات و شيء من النرجسية الصفاقسية , فقد قدمت منازل المدينة مهارزها النحاسية لتذاب و تصنع منها مدافع حربية و كانت عائلة الشعري لهم الخبرة المتوارثة منذ تلك الايام في فنون السلاح و البارود , هذا بالاضافة الى ماشكلته دهاليز المنازل التي لا تخلوا من أي شيء مخازن مؤونة و مآوي أثناء القصف المدفع الفرنسي للمدينة الذي أسقط عليها 2000 قذيفة 1   
 اثناء هذا القصف دكّ ناظور باب الدوان و مئذنة جامع العجوزين و حصن القصبة, كان مايهدم ايام الحصار الفرنسي يعاد بنائه بالليل حتى أنه قد قيل حصل و نفذ الماء من المدينة فتم خلط " البغلي " بزيت الزيتون لترميم السور حتى يتصدوا للاجتياح البري .
صفاقس عرفت يوم 16 جويلة 1881 يوما داميا 900 شهيد و آلاف الجرحى , كان الاجتياح البري من جهة السور الغربي " الباب الغربي حديثا" و من جهة باب الجبلي و حدث ما لم يتحدث عنه الاعلام و ما لم يعزي فيه الباي الرعية او تخلد ذكراه مع الدولة الحديثة :
  • جمع المجاهدون في جامع سيدي أبي شويشة و أحرقوا أحياء 
  • اكتض نهج المرّ " نهج الباي "  بجثث المجاهدين 7 منهم من نفس العائلة " الكشو"  الذين سالت دمائهم على طول ذلك النهج من باب الديوان الى باب الجبلي 
  • انتهكت حرمت الجامع الكبير و تم تحويله الى ثكنة عسكرية و اسطبل 


vendredi 11 novembre 2016

بدون تصريح بالوجود

" من فضلك لدي طلب واحد، لقد أدركت أني غير متكيف بالمرة مع الوضع القائم وموقفي يزداد سوءاً على سوء، ألا تستطيع أن تحكم علي بالإعدام؟ سوف أكون شديد الامتنان إن فعلت!"

إنّي كلما أدركت ثنايا هذه الحياة كلما غيّرت المنهج، وكأنّ الحياة متحاملة على وجودي . هناك دافع قوي في هذا العالم باعث على الإنتحار، لأكون عيسى نفسي أضحي بذاتي لأكون مخلّصا للإنسان.
إني مؤمن كلّ الايمان انّ الانسان ذو طبيعة خيّر لاعداء ولا عدوان، غير أنّ ايماني سقط من دائرة الزمن لأنه الانسان الخيّر أوسع وأرحب من إنجازات هذا الانسان الذي أراه هذا الذي يتنافس من أجل العيش ، هذا الانسان الذي يقتل حتى ينعم بالأمان ...

      أنا مؤمن كل الايمان بأن حبيبي الانسان طيب خيّر وأقدم ولادة من الانسان الشرير والعدائي ، ليتني ولدت قبل ولادة هذا الشرير.
      سأتدبر أمري .
لعل وجودي الآن فضيلة لبعض الوقت حتى لا يختل توازن العالم ،لكن ليس الكثير. فمن الولادة حتى الموت ، ماذا فعلت ؟ غير تحمّل نفسي ،فكلّ العالم يقول أقتل نفسك.

  منذ يقظتي أني لا أحيا معالم من معالم عالم المُثل وأنا منهمك في إكمال صنع لوحة عالمي من الداخل والخارج ، أنا منهمك بالمثل تماما، وكل أنسان هو عمل متواصل يتحرك ببط ولكن بثبات نحو الكمال ، كل واحد منّا سكّان الوجود يسعى جاهدا للإكتمال.
لا أجد ضرورة لبرهنة هذا البيّن من الانسان ، لكن يتحامل عليّ الأصعب وكل الصعوبة أنّ كلّ مشاعري تمنع عليّ الشك ، التشكيك في صورة الكمال الانساني. الكلّ عندي يتّصف بالكمال والنقاء والعصمة . أما هذا المعيش اليومي يبرهن لي أني مخدوع وأخادع نفسي ، أنا ضعيف ، منهك ، أنهكني وأضعفني هذا الوجود .
لم أعد أحبّ الانسان لم يعد قلبي يهتف بكل تلك المشاعر الحساسة ، أصبحت أتقزز كل التقزز من الافرازات البسيكولوجية .

منذ سنين إدراكي وأنا أحضى بالأوقات السيئة وقد أيقضت فيّا بعض الأشياء الجيدة التي لم أكن ألحض وجودها فيّا ،ومنذ ذاك لم يعد بوسعي مواجهة كل هذا الوجود .
أنا فعلا أحمق وجبان وخائف ، ويغمرني غشاء من القلق أرى العالم من خلاله ، وأرى العالم ووجودي أشبه بالفرض والواجب الذي يجب عليا القيام به ولا سبيل للهروب، وأنّه ليس هناك منفذ للطوارء من هذا الوجود دون أن أخسر نفسي.

  إنّ نبضي نبض ميّت سليب البدن سليب الإرادة ، سليب أيّ حلم يختلط بالحياة. أنا على موعد مع حارس المقبرة حتى يقودني الى حيث أقيم ، وهناك لا أريد أي شفقة عليّ ولا أيّ ذكرى تخلد وجودي مع أي شخص ، فالذكريات تخلد الانسان وتجتر وجوده وأنا أريد أن أنعم بالرحيل ولا أريد ذكرى معكم تستدعيني للحياة، لا أريد منكم شفقة، أنتم مدينون لي بالسعادة أني عودّتكم بغيابي وبقلّت انتظامي معكم ، فلن تشعروا بأسف فقدانكم لي ، وأبنائي الذين لم أنجبهم هم مدينون لي أيضا.

سأتدبر أمري في طريقة إنتحاري والرحيل ينتظرني فأنا أمقت الإنتماء لكلّ مايحدّني وأنا سكنت هذا العالم بدون تصريح بالوجود

أنا مغادر



dimanche 25 septembre 2016

تمجيد الحروب في تاريخنا الإسلامي، كيف نقرؤه اليوم؟

قرب حدود السودان الشمالية، عثر علماء الآثار على مقبرة لاحظوا على الهياكل العظمية لقرابة نصف المدفونين فيها علامات تدل على وفاتهم نتيجة عنف، وقدروا على أساس ذلك أنها قد تكون شاهداً على أقدم حرب عرفناها حتى اليوم، دارت رحاها قبل أربعة عشر ألف عام. ومنذ ذلك التاريخ، وحتى الصراعات الدائرة اليوم، راح ملايين البشر ضحية الحروب.
إلا أنَّ من أقدم ما وصلنا مكتوباً عن فلسفة الحرب هو مخطوطة "فن الحرب" للجنرال الأسطورة سَن تسُو، وقد كتبت في الصين في القرن السادس قبل الميلاد، وتعدّ من أهم المؤلفات، في مجالها، في تاريخ البشرية كلها. إذ يطرح فيها ذلك الجنرال شروط الحرب وقوانينها، وأولّها "القانون الأخلاقي"، بعده يأتي ثاني شروطها وهو "السماء"، أي الظروف المناسبة لتوقيت الحروب في النهار أو الليل، أو في أي فصل من فصول السنة، ثم "الأرض" كثالث الشروط، أي الأرض التي ستدور فيها المعركة، و"القائد" رابعها، وأما آخرها فهو "الانضباط"، وبهما، أي شجاعة القائد والتزامه وانضباط الجيش وتنظيمه، تُكسب الحرب. ومع أن ثقافات العالم ومن ضمنها الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي طرحت الحروب ضمن تساؤلات فلسفية وأخلاقية ونظريات لا تعد ولا تحصى، إلا أننا حتى اليوم لم ننته من محاججة قانون سن تسُو الأول، القانون الأخلاقي، ولم تستطع البشرية أن تتخلى عن حروبها، ولا أن تتفق على مغزاها وجدواها، ولا على مشروعيتها أخلاقياً.

الحروب في كتابات الغرب والمسلمين

إن العنف مكّون أساسي من مكونات السلطة بكل أشكالها، ومع أنه لا يبرز بصورة مستمرة، إلا أنه يتفجر كلما اقتضت الضرورة، فكان ولا يزال سؤالاً ملحاً في الفكر البشري. في الثقافة الغربية، من عصر ما قبل سقراط حتى اليوم، تصدّرت التساؤلات الفكرية والنظريات الفلسفية قلق البشرية حول وجودها، وكان دائماً على رأسها موضوع الحروب. في أحد تصوراتها، كانت الحروب تعتبر ضرورة، مثل تعاقب النهار والليل، لا بد منها لانضباط الكون وحياة البشر، وهذا ما عرف بالنظرية "التصارعية" التي تقر وتقبل بالوجود الدائم للصراعات. وبعد قرابة ألفي عام، عادت هذه الفلسفة للحياة على يدي الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز.










ومن نقاش في أحد أعمال أفلاطون، وكذلك من كتابات أرسطو وشيشرون (كيكرو الروماني)، وبعدهم في كتابات فلاسفة العصور الوسطى المسيحيين، ظهرت نظرية "الحرب العادلة"، وغدت الأهم في العالم المسيحي، واعتمدتها النقاشات الفلسفية مراراً وتكراراً حتى وقتنا الحالي في أزمات القرن العشرين، وتعمقت نقاشاتها مع ظهور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي سعت لوضع أسس قانونية يخضع لها العالم بأسره.
أما الثقافة العربية، فهي بدورها قدمت منظوراً هاماً لمقاربة موضوع الحروب، ووضعت أطراً لفهمها، وأسئلة تناقش قواعدها وشروط شرعيتها. وبالاستناد إلى القرآن والسنة، أغنت الشريعة الإسلامية البحث في التبعات القانونية للحروب، وقدم فلاسفة العرب، من العصور الوسطى حتى اليوم، أراء ونظريات في فهمها ومقاربتها. وفي السنوات الأخيرة، بات التقاطع في مفهوم الحرب من منظور الثقافتين العربية والغربية محط اهتمام واسع.

حروب التاريخ الإسلامية: حروب التاريخ الوسيط

حين ندقق في صفحات معارك الماضي، سنجد قصصاً عن رؤوس قطعت، وأخرى أرسلت من مكان إلى آخر، وعن رجال قطعت أجسادهم، وعلقت أشلاؤها في مركز المدينة، وعلى مداخلها وجسورها، وسنقرأ أيضاً عن رفات أموات تنبش لتصلب ويمثل بها، وغيرها الكثير من الفظائع التي كانت واقعاً. إلا أن ذلك لا يختلف عن وصف الحروب التي تمت على طول التاريخ، وفي كل بقاع الأرض، إذ كانت جزءاً لا يتجزأ من توسع الإمبراطوريات وازدهارها.
ولكن ما يلفت الانتباه هو أن أفعال "أغار" و"قتل" و"سبى" و"غنم" تتكرر في كل قصة من كتب تاريخنا التي تتحدث عن الحرب، وكأنها الأركان الأربعة لوصف "الفتوحات". ومع أننا نتفهم اليوم الأبعاد الاقتصادية والسياسية التي استدعت وجودها في الدرجة الأولى - فقد كانت ممارسات هدفها إظهار القوة وخلق صورة تساهم بدورها في ضمان المزيد من التوسع والسيطرة - إلا أننا على الرغم من ذلك، نواجه أزمة "معرفية" عند قراءة هذه القصص، ليس لأنها جزء من تاريخنا، أو لأنها قد وقعت بالفعل، فهذا كان حال الحضارات قاطبة. تنبع الأزمة من سلخ تاريخ الحروب عن سياقاته، واعتباره استثنائياً، ثم اختياره ليكون قريناً للهوية الإسلامية، دون غيره من ممارسات السلطة والحكم السائدة حوله، التي وثقتها مئات القصص.

لا لتبرير الحروب باسم التاريخ

هل كانت الحروب حكراً على تاريخنا العربي الإسلامي وحده؟ بالطبع لا، وقد اشتركت فيه كل ممالك العصر الوسيط، ولهذا فإن النظرة للحرب على أنها دمغة التاريخ الإسلامي خاطئة وتعسفية. والأهم أن ادعاء طابع "حربي" للإسلام له تأثير خطير على حياتنا اليوم، فهو يدعم تماهي حروب التاريخ الوسيط مع حروب اليوم، ويشرعن القتل باسم الدين، ويغذي مناخ القبول بالحروب وفظائعها كجزء من هويتنا. في صيغتها المتطرفة، تشرّع هذه النظرة العداء للبشرية جمعاء، وتتغنى بالسيف والدم والدمار على أنها رموز الإسلام، فنقرأ أن الإسلام "دين قوة"، و"دين قتال"، و"دين تقطيع رؤوس"، و"دين سفك دماء".

دار الحرب ودار الإسلام

تتردد تبريرات لصراعات العصر الحديث ضمن فصل بين "دار الحرب" و"دار الإسلام"، وهي ثنائية استخدمت في تاريخ الإسلام في سياقات فقهية أكثر منها ثقافية، بمعنى أن تطبيق أحكام معينة يتغير بحسب أماكن تواجد المسلمين، لم تعن يوماً أن الحروب مقتصرة على "دار الحرب"، ولا ضرورة لتوضيح ذلك. فقد دارت حروب على أرض المسلمين، كما عقدت معاهدات سلام، واتفاقيات وتحالفات بين "دار الحرب" و"دار الإسلام". وحتى عندما كان استخدامها متداولاً، كانت أرض الخلافة الإسلامية تضم جماعات وديانات وطوائف ومذاهب وثقافات متنوعة، وكانت تتشابك مصالح حكامها وعلمائها وتجارها ورحالتها، سياسياً ومعرفياً ودبلوماسياً واقتصادياً، مع بقية أرجاء المعمورة. وهذا لم يتغير حتى اليوم، بل زاد انفتاح العالم بعضه على بعض في كل المجالات، وغدا الفصل التبسيطي بين "دار الحرب" و"دار الإسلام" عبثياً، غير مقنع وغير مجدٍ بأي شكل من الأشكال.
إن التأكيد على هوية الإسلام "الحربية" يساعد في استخدام هذه الثنائية في التكريس للعداء واستباحة حق الناس في الحياة. وبتأمل بسيط في خريطة العالم اليوم، يمكننا بصلابة وثقة أن نفند أي ذكر لها ناهيك باستخدامها وتوظيفها، فهي لا تليق بالثقافة الإسلامية التي أصبحت من أكثر الثقافات انتشاراً وتنوعاً وغنى.



التاريخ مُلك لقرائه

اليوم وقد أصبحت صور الدمار والقتل والأشلاء المدفونة تحت الأنقاض ألماً يومياً، كيف يؤثر ذلك في قدرتنا على قراءة تاريخنا المتخم بقصص الافتخار والاعتزاز بالقتل والتدمير؟ إن مشاهدتنا، كل يوم، لآثار الحرب على الناس والأبرياء، تجعل قدرتنا على تناسي خسائر الحرب من الطرف الآخر خلف ستار "العدو" في كتب التاريخ مستحيلة. سواء أكان العدو فكرة، أم جيشاً، أم أيديولوجية، فما هو حال الناس الذين يخسرون بيوتهم وأهلهم وحياتهم باسم الحروب دون أن يكون لهم أي مصلحة فيها، أو دور في حدوثها؟ وعند قراءة هذه التواريخ، لا بد أن نتساءل: ماذا حلّ بتلك المدن والمناطق التي تعرضت للغارات؟ ومن هم هؤلاء المجهولون الذين نذكرهم بصيغة الجمع على أنهم قتلى هذه الغارات؟ وأما السبي والنهب، اللذان كانا مصدر تمويل لهذه الغارات، وسبباً أساسياً لها في المقام الأول، فهل يكفي تفهم أسبابهما لنقرأهما كـ"مثال" من تاريخنا دون أن نتأمل بالأذى الذي لحق بمن خسر كل شيء؟
مساءلة مقارباتنا لتاريخنا مهمة عسيرة ولكن لا بد منها، واليوم يتطلب تحقيقها خطوات صعبة وجريئة. إلا أن ما يمكننا أن نتمسك به الآن دون تردد هو رفض تشريع الحروب ضد أي كان باسم الثقافة والتاريخ، وبدلاً من ذلك علينا أن نطالب بأن تسمّى الحروب بأسمائها: حرب توسع، وحرب للسيطرة، وحرب لنهب الموارد، وحرب للحفاظ على السلطة، أو حرب بهدف إعادة توزيع النفوذ، إلخ.
إذا كانت ظروف الواقع تترك بصمتها على توجهات الأجيال في إعادة صياغة تراثها، فهل تكون صراعات اليوم حافزاً لنعيد كتابة تاريخنا الطويل دون أن نسمح للحروب والدمار أن يُستخدما خارج نطاقهما وسياقاتهما، ودون أن نفتح باب التراث لمن يريد أن يختار وينتقي أي الشرور علينا أن نتقنّع بها، وأيها أنسب لتشويه هويتنا وتسويغ مآسي عصرنا الحديث.
ــــــــــــ المقال منقول عن :

إيناس خنسه باحثة سورية مختصة بشؤون العالم العربي. عملت كأكاديمية ودبلوماسية في عاصمة الولايات المتحدة واشنطن. حاصلة على شهادة دكتوراه من جامعة جورج تاون وعلى منحة زمالة ميلون من جامعة هارفارد. إيناس تكتب بشكل مستمر لرصيف22.

mardi 7 juin 2016

طواسين الجنس 1: شعوذة الشرف، تصفيح البنات بصفاقس

 "ألم" "الر" "ص" "كهيعص" "طسم

طواسيــــــــــــــــــــــــــن


طواسين من المفرداة التي ضحك بها الحلاج على هذا الوجود وعرف مبهماته ، طواسين هو مفرد لا يقلّ أهمية في الابهام عن إبهام بعض ألفاظ القرآن . وكذلك بالوجود لا يقلّ ابهاما عن ابهام عبث الوجود ، كل شيء له معنى فيه ولكن الإلغاز يبدأ مع الوصول إلى المعنى.
يقول الحلاج بطس الصفاء:


الحقيقةُ دقيقة ، طُرُقُها مضيقة ، فيها نيرانٌ شهيقة ، ودونها مفازةٌ عميقة .
هنا إعترضتني بهذه الحياة طواسين عديدة ، كان دون غيرها  الجنس، فلم أجده طس واحد فقط بل طواسين لذلك كل مرّة سأقص عليكم طس من طاساته حتى تثملوا . 



 سنة 1998 كان بعائلتنا الموسعة بنتان بدأتا التعرف على المشي، كان يومها كسائر الأيام ببرج "بويا مزيد"  'جدّ أبي' (نشقوا في الريق) وإذا أمّي حميدة تتحدث ( لم أعد أذكر مع من كان الحوار)  :
          -< هاذم الزوز بنات صار وقتهم للتصفيح ، آهم بداو يجريو>
         - يا أمي حميدة بالله قلّو تصفيح ، زوايل هم باش نصفحوهم ؟؟
          - يا ناري عليكم ، البنيت نحاسة مسوّدة ، ناس قبل تخاف منها وكانوا يصفحوهم
     
كان ذلك اليوم عجيبا في ذاكرتي ولم يهدأ لي بال حتى " مرجت أمي وحكات لي على صفيحة البنات".

الأسباب العميقة لتصفيح الفتياة: 


    تبدأ قصـة تصفيح البنات مع عقلية رائجة في كلّ المجتمعات الذكوريّة والعربية الاسلاميّة ، اذ كان المجتمع التونسي يمارس طقوسه على جسد الانثى ليحميها بطريقته الخاصّة، فجسد الانثى يعتبروه رأسمال رمزي  ومتاع أو عقار منقول وشرف العرش والعائلة مطبوع على أفخاذ الإيناث . وباعتبار أنّ المرأة في المخيّلة الشعبية لا تشتهي الجنس وأنّ شهوة الجنس يختص بها الذكر "الفحل" كان لابدا من وجود حلّ جذري أمام القوة الجنسية للذكر ، فإذا انتعض ذكره لن يهدأ حتى ينخر ما استطاع اليه سبيلا.
    هنا لا أستطيع مواصلت الكتابة قبل أن أعرّج على موضوع لصيق بالفحولة والجنس بالمجتمع التونسي هو موضوع الختان وختان الذكور فلم يعرف المجتمع التونسي أي ختان للايناث فلم يعترضني حتى اليوم أي كتاب أو عجوز يحدّث عن ختان الايناث، اما ختان الذكور هو بمثابة استحداد سكين " تمضية الموس" حتى تشتد قوته ليمارس النقب والنخر.

قدّام فحولة الرجل اشتدّت حيرت المجتمع التونسي والصفاقسي الذي أعيش  به ، هذا الكائن السحري الرجل وذكره لا يغلبه سوى السحر، هي معادلة منطقيّة كمعادلة العين بالعين فأمام سحر الفحولة الذي وهبه الرب للرجل ، كان للمجتمع أن يعارض سحر الفحولة بسحر التصفيح. هنا يتظح أنّ رسالة مشفّرة مضمونة الوصول للفتياة منذ نعومة أضافرهنّ أنّ أي علاقة جنسيّة قبل النكاح الشرعي هي فقدان للعذريّة وتصبح الفتاة "مكسّرة"، "مفسّدة" ،"مخدومة"، "قطوسة الشماتة" .

 تصفيح البنات سحر تقوم به الأسر كملاذ من سحر الفحولة:

- " يـــَــا ،يــــَــا، هاك العام سمعت أمي حميدة الله يرحمها تحكي على تصفيح البنات بالله بالله أحكي لي برحمة أمك"
- هذا حديث ما يتحكاش للرجال ، يا كلب السوق قداش تثبت وتوقف أوذانك لحديث الكبار
-الصغير ثبّات ، أي أي أحكي لي ماغير تلقليق
- أنا والله ماني عارفة كيفاش سمعت أمك حميدة تحكي على هذا الموضوع
-أيه سمعتها ومازلت نتفكر تقول نشلطو الطفلة سبع تشليطات تحت ركبتها
- أوه عليا آهو بالمجدّ تحكي ، صحيح تصير سبعة شلطات تحت الركبة أما يلزم البنيّة تكون صبيّة تو مابلغت وفي دار مافيها حتى ذكر ويلزم حنّاتها تشلطلها
- بالله !!
- مالا انتم الرجال فيكم أمان ؟
-هاك مالا قلت لي ،على حاجة مايعرفوهاش الرجال
- مالا يلزمني نقول لك باش تحصن نهار آخر شرفك، يلزم هك
-ايـه قل لي كيفاش يصير بضبط مالا
-يتلمو النساء الكبار متاع عايلتها البنيّة وبلام يشلطوها سبعة شلطاة تحت ركبتها ويشدو سبعة كعباة زبيب ولا شريح ويغطسوه في دم متاع التشليط ويوكلوه للصبيّة وكل كعبة تقول ( أنا حيط و ولد الناس خيط)
- يـَـا أما حيط؟ أما خيط ؟ البنيّة تاكل الدم ؟؟
- مالا ياوليدي ، هاك بعد حتى حد ينجم يتعدى عليها الصبيّة حتى لين تعرس وقتها نقلبو الصفيحة
- يــَــا ، أما صفيحة تقلبوها! بغلة هيّ البنيّة ؟؟
- يا وليدي هاك بعد مانصفحوها جنّي يسكن أرحام الصبيّة ويحميها وكان ماتتقلبش الصفيحة حتى راجلها ما يعاشرهاش
- أي باهي ، تو نثبت نهار الي ماشي نعرس ، ماشي ناخو بغلة ولا مرا
-يبس كنينك من طفل تو هك هك !!!
-باهي كيفاش تقلبو الصفيحة؟
-كيفاش نقلبوها !!! تعود المرا الي شلطتها تشلطها  من جديد وفي عوض ' تقول أنا حيط و ولد ناس خيط ' تقول ' أنا خيط و ولد الناس حيط '
....


إثر هذا الحوار مع أمّي ، تيقنت شيئا وحيدا، أنّ جسد المرأة بمجتمعنا ليس أكثر من متاع يراهن عليه، هنا أيضا تبادرت لذهني فرضيّة لو أنّ رجلا لم يقدر على فضّ بكارة زوجته ليلة عرسه فله أن يستنجد بفاعليّة التصفيح كي ينقذ عجزه الجنسي ولا يطلق عليه لفظ "حاوي"، وبالتالي يبقى الرجل " مايتعابش والمرا تهز العيب الكلّ" ، لكن السؤال الجوهري إذا الفتاة المصفحّة يحمي بكارتها جنّي فلماذا يبقى كلّ هذا الخوف على الفتياة من الفتيان ، أضعف ثقة وايمان في حماية الجنّ أم هو فقط بداية سيناريو مسرحية لزوجين قد يصابوا بمشكلة جنسيّة ليلة العرس ؟ بخلاف هذا كنت أودّ أن أعلم كيف لو أن مرأة مصفّحة اغتصبت، هل حماها جنّي الصفيحة ؟  


samedi 29 août 2015

من الأكلات الصفاقسيّة القديمة : بازين بالمرقة

             دون غير جهات البلاد التونسيّة لا يعني طبق المَرقَة , المَرَقُ بالتحديد بل يطلق اسم المرقة على السمك , ومنه يقول الصفاقسي ( اليوم فطورنا كسكسو بالمرقة أو فطورنا مرق مرقة بخبز الشعير ...) بمعنى كسكسي بالسمك أو مرق بالسمك في حين تطلق أغلب جهات الجمهورية التونسيّة اسم المرقة على طبق يسميه الصفاقسي بـــ"ــالشكشوكة" . 
     
اليوم فطورنا مرقة بالبازين , و" البازين " أو الثريد بالفصحى هو أكلة عربية منتشرة في  كل العالم العربي , كلٌ له صنوفه في اعداده ,وكذلك الصفاقسي له طريقته في اعداد البازين , ونظرا لحبّ الصفاقسي للسمك ووفرته  أعدّ البازين أو الثريد على طريقته الخاصّة .
     كان طبق البازين بالمرقة يعدّ في غالب الأحيان في المناسبات وخاصة يوم حمام العروسة.
 طريقة التحضير : 

     * تحضير الثريد : 
- نحضر دقيق الشعير يسميه الصفاقسي بالدقاق أو المسبوك
- نأتي بقدر عميق بضع الشيء ونسكب فيه الماء وشيء من الملح ويوضع على نار هادئة ثمّ يسكب "المسبوك" دفعة واحدة ويُحرك الى أن يعقد ويجف الماء ويصبح لدينا عجينة .
      * تحضير مرق المرقة: 
- التقليّة :
يقلى البصل في الزيت الى أن يذوب ثم تضاف اليه ملعقة ونصف من معجون الطماطم ثمّ يضاف الثوم المسحوق مع الكمون ثم الفلفل الأحمر الحار وإن وجد بعض قرون الفلفل بعد إضافة نصف كاس ماء .
- ( مرقان التقليّة ) : 
بعد أن أخذ التقلية حظّها من الطبخ يضاف اليها مقدار كبير من الماء ويبقى الى حين درجة الغليان يضاف السمك وعادة ما يحافظ الصفاقسي على أن تكون مرقته تحتوي على أنواع كثيرة من السمك (مرقة مخلطة) حتى يكون المرق لذيذ وفي العادة لا تخلو مرقة من أنواع السمك هذه : صبارص , شوشة , سردوك , قشاش ,خضيْر , أحناش , انداس 
     * إعداد الطبق : 
- يكوّر الثريد في شكل كورة ويوضع في وسط طبق كبير 
- يصفى مرق المرقة حتى نفصل السمك عن المرق وفي بعض الاحيان عندما يكون السمك صغير قد يتفتت لذلك يجب تصفية المرق  حذرا من الاشواك
* يسكب المرق المصفى فوق الثريد ويزين بالسمك وشهيّة طيبة
صبارص شرافي
وانداس وسردوك وخضيْر

طريقة تقديم البازين مع مرق المرقة

dimanche 12 juillet 2015

فيك نسخة الاكوان من خيبات العالم ألوان

                          كل أطوار خيبات العالم هي  أطوار حياته , على سبيل اليأس و على سبيل  التعيّن  . كانت   هذه  الخيبات   أحب  أطوار حياته   تلك   إليه   و آثارها عنده. و كان أحدها   أحبّ إليه    منذ اشتعلت   النار المقدسة    و   هو   يشاهد خطى    أباه   تملأ   و   تصارع     هذا   الوجود.
  فنار  جوان المقدّسة   مازالت تصنع الرماد  و تنتج   سواد الأدخنة    في نفسه    و تتصل    بيقظته  الآمنة بالكوابيس  و  بالظلام المظلم.   غير أنّ   خرير   ماء الحياة ,ماء الحياة     لأنه    تقف  عنده    ألسنة اللهب الجائعة     ,صادفت   سمعه     حتى  أيقظته    فزعا  من   هجوع   تلك   الأدخنة المظلمة, فقال  الماء , بلغة  دون الكلام  و إنّما  هي دون المنطق أيضا :
    - في قلـب    شوق    للحديث  , فهل  لك  أن    تعيرني    قلبك    لحظة واحدة 
قال له :
   - أتصغي لي    لأحدثك    عما    فعلت في نفسي    ساعة مختلسة    أقضيها على الشواطئ    و في البساتين, بين راحة   الفقر    و    طمأنينة   المظلوم, و   ما    يكفي   لمتعة النفس   من   الألم!
   تنهد   ماء الحياة  و انكمش صوت خريره  و رجع  بصوت  الأمواج  الغاضبة     تَطرُق طرقا عنيفا ساخطا صاخبا:
  -الحق أنّ المشكلة الباقية الخالدة بين   لِمَ نَفِد على الحياة ؟ و ما   يفد على الفؤاد ؟ .,بين حزن    دائم و فرح مخطوف , عدو   تسعد    به   و حبيب   تشقى   به , بين   خفقان الأشجان    و قسوة   الوجه الوحيد للحياة .

  كان عندها    مازال  يشكوا   حزنه   و ألمه الشديدان ,  لم يكن    له غير   ذكرى   تلك النار   و خطى والده تصارع العالم, فكان     يجد   عزائه   في الاختلاء  بالكتب الإسلامية   و شتى فصولها, وكان  وفيا لخلوة خطراته 
 
- إنّ   أطوار   النفس   و  قوة  الخيال, في  بعث  ذكرياتي  , تحيلني  دوما  على أمل  حياة  صادقة  كلّما  تمثلت   طابت  لي, غفلت الأنس, و غفلت  المستقبل القريب  و البعيد  و ثمرات الأماني الشاردة  و  متعة    مرارة  الساعة الحاضرة...
          ترينيك عين الوهم حتى كأنني  
                                        أناجيك من قرب و إن لم تكن قربي 
فكان صوت الماء و النار في نفسي, صوت يبعث على التسليم للحاضر و للماضي و ندب المستقبل  ,  فأول   ما   نفذنا   إلى   الوجود   هو   نفاذ   على سبيل التسخير , وتمثلنا كان على   وجه الغربة  و الدهشة .لا شيء من الأشياء نعرفها و لا    أي   صلت   تقربنا     بالأخر , و لانشبه   الغير, فقط   تبادل طقوس : النار تبخر الماء و الماء يطفئ النار. 
   ذلك كنت   خجولا   جدا   و لم أكن   ذي صنعت   في الكلام  أو   في التواصل, فأقصى    ما    أصل له    من  التواصل   أن    أقف    صامتا    هامدا    جامدا , و أشاهد   ببصري  و    دون    البصر    مراسم الكنايات                           و المخاتلات.   غير أنَّ شيءٌ      فيّ  َ   لم أعلمه, يذهب إلى الثأر    من    يوسف     و أولاده, شيءٌ      لا   يدعني أنام و لا أعِدُه    النسيان , و كيف السبيل إلى النسيان و قد توطدت أحزان   الآلام   و خطوبها   في أعماق النفس , ألسنت النار    تلك   و    دموع    من الطفولة     تأجج      دوما     دون انقطاع الأدخنة السوداء .    كذلك    يوسف    و أولاد    يوسف    لم يلطّفوا     ما   أشعلوه     من لهيب , فهذا   يوسف    لم يدع    تعنته    في القهر و هؤلاء أولاده   لم يتركوا      تفننهم في الجهلوت  .
فذلك    أول   فشل    لي, فشلٌ    مع    الجد    و  هو فشل   حتى  في    إيجاد    منزلة    لي عند الاخر ,أو أن أتمكن من تقديم نفسي للغير و أن    اكلمه    بلسان   فصيح حتى    يفهمني ,لذلك   أنا    موجود    على    سبيل   الغموض          و الضبابيّة.

                              هذا و يبدأ  الطورُ  مع  نار  جوان المقدسة  سكبها البنزين  على مذبح هيكل سنة2006 , و على آثار تلك العشوائية, لصق بذلك الصبي لقب الـيتـــــــــــــــــــــيم.   اليُتم مفهوم   غامض  متشرد الدلالة    والمعنى و ليس بغريب     عن التراتيل    ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى  لم يكن له   يومها   تعريف دقيق   لكلمة   يتيم فكل   ما يعلمه   أن اليُتم يصنع العظمة وأغلب الأنبياء أيتام , إلا أن اليُتم يبدأ بالفقدان   و يحيا على الفقر و يحارب     سعادة  الذات  و شيء  من  الشذوذ , شذوذ   الاختلاف .
  لا براءة ٌ   و لا عنوان , طفولة   تحمل  همّ عائلة    لا طفولة   تحمل همّ  لعبة, إن كلمة   لعبة أو   لعب    لـباعث   حقيقي للبكاء عند  يتيم , ليس لأنه لم  يلعب   بل   لأنه يلعب    بحاضره   و مستقبله , لأنه  فُطم عن  حضن الأب  الذي  يأخذ  باليد , إذ أن غموض     مجيئنا الى هذا العالم يُفسَر  بإرادة   الوالدان   غير أن   معنـــــــى  حضور العالم عند الأطفال يُقصى بموت أحد الوالدان, فتتكاتف   خصاصة    الحال و خصاصة الأحوال على صنع عظمة     لا مثيل لها   مما   يُعانيه الطفل اليتيم و خاصة عند    بداية     تكشفه على أحوال هذا العالم بذلك    هو    يبدأ حياة   مخصيّة    بغياب الوالدان أو أحدهما .
         هنا  غربة    الوجود, غربة  عن دفء الأحضان ,هي من الاصل     خيبات   في     مؤهلات الحياة.         فتتكاثر في الداخل  و تنمو على الجسد كظاهرة     في الالتصاق , فهي   غير بارزة      أصلا  إلا ّ   أنها   ضرورية   أو مقبولة    مرغوبة . بذلك    نمت    رغبة    المغادرة    و الرحيل على غرار    هذا الحال , فقد   تكاثفت   فيّ     بعض الأحيان   و صنعت نرجسية الصائم حتى نفذت  إرادت الحياة   , لا نفاذ الماء الإناء إلى مياه البحرو انما نفاذ الانتهاء و النهاية , ذلك ما يسمى بالانتحار أي نرجسيّة المغترب.
                لم تكن ارادة الحياة  مطبوعة   بكَيانه    لأنّ لهيب تلك النار أتى على كلّ مباهج  الحياة , فأن تكن صائماً     تُعلّق كل ممارسات الحياة    دون  أن تموت, و كذلك أن يحكم عليك أبوك باليُتم فتكن ميّتا تمارس  عليك كل طقوس الموت  دون أن تلتحِق بالأموات , ذلك أنّ الميّت  تُهدى له الصدقة و تهدى له العمرة و الحجّ و قد يعظّم عند بعضهم و يبنى له مقام أو مزار على قبره   هذا الى جانب  أنّ  تدمع الأعين على فقدانه      زمن  المواسم و الأعياد  , فاليتيم هو في جمع    أيّامه منسيٌّ      لا    يُسأل عن حاله ,  تهدى   له  الصدقة   و الزكاة  عند كل المواسم و الاعياد  فالأموات    لا   يأكلونها و إنما اليتمى    و الفقراء, و كلّما كان هذا الميّت أوْفَر حظّ من الدنيا كان للفقير و لليتيم أوْفَر حظّ ليشبع و ليدرك  ما  تنعموا به   هؤلاء الأموات , هي صورة  عبث الاقدار   اثنان   بالمقبرة     ,ميّت  تحت التراب  يعلم جميع ملذّات الحياة وبذخها ,و ميّت  على التراب يجهل ماهيّة الحياة  , لهذا كل الذين تحت التراب  يغنون     ( الحياه حلوه بس إلّي يفهمها , الحياه غنوه ماأحلى أنغامها..) 
                                                    في سنة 2008 لم يكن يوما كبقيّة أيام حظّه,  فحسن الطالع حضر يومها, فأيامه           تلك يتردد     فيها على سمعه كلمة التصوف و الصوفيّة و الطريقة و الشيخ و المريد ...

  هي مفردات    مُلغزة     لطفل    وهو     يتدارك     سن الرشد    لا   يعلم   حينها   أيّ   منها    سوى   معلومات سطحيّة   , كان   يتبادر   إلى ذهنه    أنّ الصوفي    هو   متزهد   يلبس الصوف    صيفا و شتاء ,الا  انه    وجد   مفهوم غير ذلك    طيلة     رحلت   اهتزت   و ارتجّت  فيها    كل   معالم وجوده , حتى أصبح   بقاؤه    على    وجه   الهيام   ومسيرٌ    الى روض الاحلام , الى  رياض النفوس و حضرة القدوس , أين   غابت جميع   حواسه   عن   عالم الحس   و  نهضت    فيه   ملكت   الحدس   دون   اي   منطق   او   هدف   أو إشارت   تدل   على  عنوان  ,فقط الى الواحد الاحد   , انسلاخ   عن  أدخنة   النار المقدّسة     .
فقد    وقعت في النفس مَلَــكات و كلمات  تكُمن فيها  معاني دون اللسان   و تتلبس بلباس المنطق و   وَرِيشَ    السبب و النتيجة . أقام منذ ذالك  سكرانا    دون   أيّ   بِشارة  , بوَجد ٍ ,    هائما  ليلا        لا    ينام   و يلهج      بآهَـــا   آه    آه كربة العشاق .
كان هذا الطور من حياته المؤثر الرئيسي في طبعه  .   تلك الحضر أو العمارة  تقرع  باذنه اجراس يضن بها أنه أشرك في الأمر, و ينزل الروح الامين و يقرؤه سورة المنتحر,  
 ﴿  انتحر  
و تراه سكرانا و هو ليس سكرانا لكن المحبوب رفع عن محياه الستار , و لو تراه يا صاحبي  كاسه و محياه  مُدارا  لترى  الروح كافرة إلاّ أنّها  كفرت بالكفر فكفرها إيمانٌ ،تستغيث غوثا :

مدد , مدد,  مدد,  يا ساقي الندمان من رحيق  دِنانِ أدر عليّ الكاس فإنني ضمآن ,أدر عليّ الكاس فإنني ضمآن .

 فَـــنَاءٌ   تلبّس بكَيانه    و هو غير العدم و انما هو انتحار للذات  في مملكة  مدارج السالكين  , فقد قام بهجرتـــين  , هجرةٍ     ترك جمع الأدخنة     و هدم قدسيتها , قدسيّة    و عظمة   مصابه   و يُتمه   لأنّ  شيخه أنورٌ أمطره   أبوّة     فسقطت   عنه جميع الاوصاف المذمومة  و انتقل من حضيرة الدنيويّة الى حضرة الديمومة  لم يعد   ذلك الصبيُّ  صبيا  , لِفرط   وَجدهِ    بالأب و الأُخوة  و   سُمُوِّ    الحال  ,يرى   أيُّ       مكان يحويه  لا يجد    رابطة    له  بحضوض نفسه .
         ثمّ أكبر و هجر هجرته الثـــانيّة  إلــــــــــــــى  حيث    لا أغيار    لا    عينًا     و لا أثــر و لا رسم و لا طـــلل  . كـــــانت هجرة    لا  يجد فيها أيُّ رسوم زمنيّة  لا  يجد في نفسه  خوفَ   قصر العمر,  لا  يجد أيُّ  شوق  للآخرة  و لقاء المحبوب   لا جنّة و لا جهنّم لا صراط و لا حساب.    فناءٌ  أقامه على النَـفيّ   , كان ذلك الصبيُّ يُقيم على حالة من الديمومة الكبرى  إذ أنَّ حِسّه  رَسَّخَ عنده  أنّ  إتجاه الانسان الى عالم آخر لا يرتبط أيّ ارتباط بجوهر الذات  فهي إمّا ان  تبقى موهومة  تعابث  أعمالها معلقة بين عوالم الوجود و إمّا ان تدخل فِــناء الديمومة .
... آهــــــــا ...,    يا ضيائي في سمائي  يا حياتي  الأبديّة , فانيا و قائما في فناء الهوية , 
كذا قيل لي :


أخلِ قلبك للتجلي***واجلِ عينك للتملي http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif
والسوى يا خِلي خَلّي***و افنَ في الذات العلية http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif
واشرب الكأس جهارا*** لا ترى في الشرب عاراhttp://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif
وهمْ واخْلع العذارا***في المعاني الأقدسية http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif
جُدّ سيرا للمنازل***وانتَهِج نَهج الأوائل http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif
لا تُصغ لقول عاذل***إنما الإصغاء بَلية http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif
هي كُل الكُل أصلا***ليس للعاذل فِعلا http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif
ما عَذُول الحُب إلا***مُرسل من ذِي العطية http://cb.rayaheen.net/tools/space.gif

لم أرى من العالم الكثير و لم أكن  أؤثر أن أشكو لأحد من نفسي ,فقد كنت أؤثر أن أحدث نفسي أن أتحدث إلى قلبي  , و ألتفت الى وجوه الوجود من هذا العالم . و كان هذا الصمت الظاهر مصدر الوحدة المتصلة  بمصدر العذاب الاول  النار المقدسة , فآلام تلك النار أفرطت في الوجود و تهيئه دائما من جديد لاستقبال حظه من العذاب و الآلام .
                                           
                                            الألم ,, ألمه , آلامه , قد كثرت تفاسيره و الإعادة  , ثم قد انقضى الدرس و تفرق الطلاب و قصرت التفاسير عن الفهم و التأويل و مضيت في مكاني دون رفق بحالي  في يقضة  مضطربة تتلذذ  دون أن أشعر بها بخواطر الروح الأمين و التفكير الهادئ المطمئن  و على وجه من ضنّ  , تشجعت ضنونه   أنّ هذا العالم الثقيل نزل بخيباته عليه و على حاله .

mercredi 17 juin 2015

رمضان يا شهر القدور يا ألذّ الشهور

              شاءت الاقدار ان يحفل هذا الشهر بالعجائب , و أن نعتقد شيء و نلمس أشياء
كأن نعتقد التقوى فيه افضل من الصيام و نلمس الصيام و نفقد التقوى 
    

                       (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين                                   فمن تطوع خيرا فهو خير له و ان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون )سورة البقرة

فكأنّ الله خيّر بين الصيام او الاطعام حتى يحثّ على التقوى بين الناس , فقام الناس بالحثّ على الصيام تجنبا للتقوى.



                  رمضان يا شهر 
فرحت بقدومه بطون الناس ***   شهر تحــــن لذكره أضــراســــي
تلك الموائد ما جلست أمامها ***   وضربت أخماسي إلى أسداســــي
إلا وصار القلب في شرك الهوى***يرجو تعـطـف مــرقة البــسبـاس
ويلذو بالأكباب وأشوااااقي إلى *** طاجـين جــبن طيب الأنفــــــاس
يـــــــــا للبريك ويا للحم حشوه *** قد جودوه بقـــوة المــــهـــــراس
لي في محبته شهود أربع ***          لـحم الدجاج، وسـلتة الأتيــاس
والجوز في تمر تحلى واستوى ***   وكذلك تشهد بوزة في الكـــاس
كيف التصبر والبطاطا أشرقت ***   والمــسفوف فــي الكســكــــاس 
إن القطائف لامثيل لنورهــــــــا ***   فتضيء وسط البطن كالنبراس
كيف السبيل لذي الصنوف وجمعها***  والجيب مخروم من الإفلاس