lundi 17 avril 2017

تهميش صفاقس و العبث بذاكرتها

تحتفظ صفاقس بنرجسيتها تلك القلعة الصغيرة عالية الاسوار صغيرة المساحة مقارنة ببقية المدن التونسية و كما يقال ( صغير و حيّر) , صفاقس حيّرت البايات و حيّرت العدوان الفرنسي و حيّرت بورقيبة و زبانيته .

صفاقس المدينة الدولةحكمت نفسها بنفسها و لذلك انطلقت منها دائما الثورات ضد نظام البايات المثقل لكاهل الرعية التونسية و الذي حفر في ذاكرتها بشاعت سياسة الملوك و الصبايحية و المحلة حتى أنه لتزال آثارها بصفاقس  فالطريق التي تأتي منها المحلّة مرورا بمدن الســاحل حتى الى صفـــاقس من ثمّ الى قابس تسمـى بثنيّة " السلطنيّة" أي المحلّة السلطانية التي تأتي لترفع الجباية او التي تأتي منها الصباحيّة حتى يفتكوا محاصيل او صغار الفقراء الذين لا يقدرون على دفع الضرائب أو حتى تقاوم من يتعنت في دفع الجباية.

    كانت اخر ثورة  قبيل الاستعمار ثورة الباي مشري و عسل التي ابطلت " الماكس" كما تغنى بها الشاعر أحمــد ملاّك , أما أيّام الاستعمار ضربت صفاقس حدثا مع التاريخ العربي الاسلامي بإعلانها الانفصال عن الحسينيين و الولاء للباب العالي أي الخلافة الاسلامية باسطنبول كما ورد بالرسالة التي وجهها وجهاءُ المدينة  إلى الوالي العثماني في ليبيا طالبوا فيها السلطان عبد الحميد مدّهم بالدّعم والوقوف إلى جانبهم في محنتهم. 
وجاء في خلاصة الرّسالة الموجودة بالأرشيف العثماني أنه "على إثر سماع أهالي البلدة أن ّالفرنسيين يُرسلون العساكر إلى صفاقس بالبواخر أعلن الأهالي تبعيتهم للسّلطنة السنية ورفضهم لقبول العساكر الفرنسيين، فقوبل ذلك بضرب البلدة بالمدافع. وعندما كانت المدافع على مقربة من السّواحل أطلق الأهالي طلقات مدفعية فألحقوا الأذى بباخرتين ، لكن السّفن الفرنسية ابتعدت من السّواحل، ولذلك فطلقات المدافع لا تصل إليها في الوقت الحاضر، وإذا نزل الفرنسيون إلى البرّ فإننا بعون الله نقاومهم بشجاعة، بيد أن الطلقات التي تأتي من البحر سوف تخرب المدينة. لقد اجتمعت كلمة الأهالي على الدّعاء للسّلطنة السنية ، وهم بانتظار وصول العون منها، وبناء على ذلك لن يستسلموا وقرروا مقاومة العدو بكل بسالة. نحن نلتمس إسعافنا بالمدد بمقتضى الواجب الإسلامي، ونرجو إبلاغ الباب العالي على وجه السرعة بما يتعرض له الأهالي من التضييق والخوف من الباي الذي اختار أن يقف في صف العدو الفرنسي ضد المسلمين، والتعجيل بإرسال المدد" (الأرشيف العثماني وثيقة رقم Y.PRK. ASK 10/69, LEF 2).
في تلك الايام كانت تونس تحت حكم اول عجوز و وطرطور في نفس الوقت ( محمد الصادق باي) الذي وقف إلى جانب الفرنسيين ضد شعبه وآثر السلامة والذلة على العزّة والشهامة. ولذلك فقد سخر منه شعبه وأطلق بشأنه السخريات...

في تلك أيام أيضا برز مناضلين أهمهم  الشيخين الحاج محمد كمون والحاج محمد الشريف و المناضل على بن خليفة النفاتي المشهور  تحدثت عنه صحيفة "ترجمان الحقيقة" العثمانية الصادرة في مدينة اسطنبول بتاريخ 13 جويلية 1881م أن " علي بن خليفة " زعيم المقاومة في صفاقس أرسل رجالاً ورسائل إلى مناطق كثيرة في الجزائر وطرابلس الغرب والمغرب الأقصى وحتى إلى أواسط أفريقيا ومصر يستحثهم للالتحاق بالمقاومين في صفاقس لمواجهة القوات الفرنسية في البلاد ومهاجمة الباي الذي قبل بالدّخول في صفّ الفرنسيين. وبالفعل فقد تمكن من جمع نحو 20 ألف مقاوم، وأعلنوا أن الجهاد ضد الفرنسيين واجب مقدس. 
وعلى الرغم من عدم تكافؤ القوى فقد تمكن الشيخ علي بن خليفة من قيادة معارك باسلة أظهر خلالها قدرات عسكرية فائقة وبطولات حيّرت الضباط الفرنسيين الذين كانوا يقودون الحملة مما حدا بالمؤرخ الفرنسي "مارتال" إلى القول في كتابه "حدود تونس الصحراوية الطرابلسية": "إنّ فرسان الشيخ علي الأبطال قد وقفوا سدّا منيعا أمام الجيش الفرنسي بمدافعه وتجهيزه الحربي الكبير حيث اضطروه إلى القبوع في مواقعه والاحتماء بسفنه 15 يوما، ولولا وصول المدد ونفاد الذخيرة عن المقاومين لكانت أحواز صفاقس مقبرة للفرنسيين، ولانقلبت الآية لصالح الثورة في المعركة التي انتهت يوم 17جويلية 1881م"  .


برقية تلغراف من {روسطون} إلى وزير الشؤون الخارجية

« تونس في 8 جويلية 1881، الساعة 11 و 40دق
إتصلت توّاً بالبرقية التالية من قبطان (La Reine Blanche)
لتبلغ وزير البحرية :

صفاقس قُصفت بالمدفعية. الـ(شاكال) حطّمت منصّة لإطلاق القذايف ذات إحدى عشرة قطعة منصوبة على الساحل. الصفاقسيون يرُدون لكن تصويباتهم ليست مُصيبة. الـ(شاكال) لم تُصب لكن المنصّة أصلحت ليلاً. كثير من القتلى و الجرحى. يُذكر أن 200 صفاقسي مُسلحين مُصرون على المقاومة. جنود الباي يُحيّون طلقات الصفاقسية : يستحيل التعويل عليهم. هذا الصباح قنبلنا المدينة و قصبتها. نتائج جيّدة كرمي لكن دون جدوى لضمان عملية إنزال. الوضع صعب.
إننا في وسط ثورة جهوية و ليس لدينا القوة الكافية لعمل سريع و إننا سنتعرّض لفشل خطير لو حاولنا هجوماً مُفاجئاً ... المُقاومون حول صفاقس بين 10 و 15 ألف. المدينة جيّدة التحصين. مُنشآت تحصينية أنجزت حولها. إقتحامها صعب من جرّاء قلّة العُمق و كثرة الوحل. الجنود التونسيون يكونون أحسن في سوسة. لو ترسلون المدد. (La Reine Blanche) و (l'Alma) لم يتبق عندهما إلا 15 يوماً من المؤونة. إبعثوا ما يكفي شهرين لكل منهما كذلك قذائف و بارود لـ(شاكال) و (Pique). إحتفظ بـ(La Sarthe) و الجنود، إنه يستحيل المسافنة...» 

طيلت أيام الحصار أظهر الصفاقسية أعظم مظاهر التآزر و الفناء في حبّ الوطن , كما يروي أجدادنا رغم أنّ مروياتهم  الشحيحة فيها جانب أسطوري و خوارق الكرامات و شيء من النرجسية الصفاقسية , فقد قدمت منازل المدينة مهارزها النحاسية لتذاب و تصنع منها مدافع حربية و كانت عائلة الشعري لهم الخبرة المتوارثة منذ تلك الايام في فنون السلاح و البارود , هذا بالاضافة الى ماشكلته دهاليز المنازل التي لا تخلوا من أي شيء مخازن مؤونة و مآوي أثناء القصف المدفع الفرنسي للمدينة الذي أسقط عليها 2000 قذيفة 1   
 اثناء هذا القصف دكّ ناظور باب الدوان و مئذنة جامع العجوزين و حصن القصبة, كان مايهدم ايام الحصار الفرنسي يعاد بنائه بالليل حتى أنه قد قيل حصل و نفذ الماء من المدينة فتم خلط " البغلي " بزيت الزيتون لترميم السور حتى يتصدوا للاجتياح البري .
صفاقس عرفت يوم 16 جويلة 1881 يوما داميا 900 شهيد و آلاف الجرحى , كان الاجتياح البري من جهة السور الغربي " الباب الغربي حديثا" و من جهة باب الجبلي و حدث ما لم يتحدث عنه الاعلام و ما لم يعزي فيه الباي الرعية او تخلد ذكراه مع الدولة الحديثة :
  • جمع المجاهدون في جامع سيدي أبي شويشة و أحرقوا أحياء 
  • اكتض نهج المرّ " نهج الباي "  بجثث المجاهدين 7 منهم من نفس العائلة " الكشو"  الذين سالت دمائهم على طول ذلك النهج من باب الديوان الى باب الجبلي 
  • انتهكت حرمت الجامع الكبير و تم تحويله الى ثكنة عسكرية و اسطبل 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire