dimanche 31 mai 2015

الى شاطىء سيدي منصور فقد استطاعوا اليه سبيلا

        للصفاقسي قصة مع الشاطىء الشمالي لمدينته , يقول المؤرخ < محمد عبد الكافي > بكتابه " تاريخ صفاقس " ( أن سيدي منصور جهة تقع جغرافيا في الجانب الشمالي الشرقي من صفاقس على بعد 10 اميال من سورها .. و اهم ما عرف فيها ناظورها المشهور (برج الكرك) و هو واحد من عشرة أقصاها غربا ناظور المحرس و ابعدها شرقا ناظور اللوزة . و الى جانب كونه منارة رومانية المنشأ بنيت على شواطىء صفاقس يهتدي بها البحارة و المسافرون فقد كان واجهة متقدمة لاستكشاف المغيرين و الطامعين الذين يكيدون للمنطقة و يتربصون بها لمهاجتها عن طريق البحر خاصة ثم أنه الى جانب هذا معلم شامخ شاهد على أغلب الحضارات العريقة التي مرت ببلادنا).  و قديما لم تكن  هذه المنطقة تستقطب الصفاقسي للسكن فيها فالحكمة تقول :
( اذا حبيت تاخو جنيين لا تشرق و لا تغرب) فهي منطقة للثورة على البايات و على قيادهم بالاضافة الى اللصوص و عُربان ظهير صفاقس من قبيلة المثاليث بالتالي هي منطقة غير آمنة في عرف القديم للصفاقسي . 

     على خلاف هذا , نظرا أنّ للصفاقسي احتكاك مباشر مع ثقافات اخرى سكنت الربض القبلي , أخذ يتعامل مع البحر تعامل سياحي مع بداية الـ50نات ,بعد ان كان الصفاقسي يقصد الغابة و الابراج للاستجمام بالنسيم العليل أو يقصد بعض مزارات الاولياء الصالحين او لبعضهم الى مناطق الارستقراطيين بالعاصمة ( المرسى و حلق الواد ...)فقد حدثتني أم جدي رحمها الله ( مواليد الـ20نات) أنهم لم يعرفوا سابقا الذهاب الى الشواطئ و السباحة فالصيف كان لجمع المحاصيل وبعض الصنوف من العولة و الاعراس.
      اما مع نهاية الاربعنيات بدأة التردد على الشاطئ و خاصتا ان المعمرين أحدثوا منطقة ترفيهيّة بالربض القبلي ( الكازينو) و من لا يعرف الكازينو و ليالي الكازينو خاصة بعد خروج المستعمر و التغلب على "رهاب الجدرميّة"   (الجدرميّة الجند الفرنسي الذي كان يفرض حظر التجوال و يقتحم المنازل ليلا) .
 اذ يكثر حديث الشيوخ عن مغامراتهم و مسامرات شبابهم بالكازينو , هذا بالاضافة الى ان شاطئ منطقة "بوردريار" الذي كانت متاخمة للمنطقة السكنية للمعمرين "البساتين" اذ كان الصفاقسي يشاهد بعين الدهشة العائلات الاوروبية تستجّم بنسيم البحر وتستلطف حرّ الصيف بمياه.
 فقصد  الصفاقسي "ثنيّة البحر " او "ثنيّة سيدي منصور"  فقد حدثتني جدتي رحمها الله (مواليد اللـ40نات) أن والدها الذي كان فلاح  يأخذهم في صغرهم على "الكريطة " الى شاطئ سيدي منصور عند منطقة  "السنطرين" (ما يقابل اليوم حي بورقيبة) أو  "الألواز" او عند منطقة "الشقاف" ( وبه أثار لميناء تجاري تكثر به الفخارياة تسمى شقف او شقوفة يتم جمعها و سحقها و تستعمل كميلاط لبناء المواجل) أو عند مقام سيدي منصور , فكانوا يقضون يوما من الصباح الباكر الى العصر على الشاطئ بجمع " الفكارن و الببوش" ( السلطان و حلزون) عند الجزر و بالسباحة عند المدّ . 
     أما مع الاستقلال فقد ترك المستعمر الفرنسي للصفاقسية أجمل شاطئ قريب الى المدينة العتيقة ( شاطئ حشاد) برمال ذهبيّة و مياه عميقة و زرقاء صافية , هذا و قد كان شباب ذلك الزمان يقضون يومهم بهذا الشاطئ متنافسين في الغوص و القفز من اعلى مسطبة المخصصة لذلك.
     منذ تلك الفترة و الى نهاية الـ90ـنات اتخذ الصفاقسي عادة دؤوبة فكل صائفة مع بداية العمل بالتوقيت الصيفي , نظام الحصة الوحدة , تقصد جميع العائلات و اغلبها متوسطة الدخل , سيدي منصور و كان الشاطئ  بداية من "السلوم" الى مقام سيدي منصور تنصب الخيمة الى جانب الخيمة أما ما قبل منطقة السلوم فهي غير صالحة للسباحة نظرا للثلوث من مناء المصدر للفسفاط و من المنطقة الصناعيّة ببودريار.
     تلك الايام التي كان شهد فيها شاطئ سيدي منصور الجماهير المجمهرة من المصطافين و كل قدير و قدره البعض يقضي الاسبوع مخيما هناك و الاخر الاسبوعان و الثلاثة مخيما و الاخر يكتري منزلا طيلة الصيف و يستظيف أقاربه  , كان الشاطئ يشهد في صباحا جماهير الاطفال و هم يجمعون "الفكارن و الببوش" و مع بداية الظهيرة و بداية المدّ يبدأ الأولاد بالاستعداد لصنع فخاخ لصيد الاسماك الصغيرة غدا مع الجزر , هي عبارة عن قارورة بلاستيكية تفتح بها فتحة على جانبها وتوضع بها قطعة خبز كطعم ثم تثبت بمكانها و تثقل بشيء من الحجارة قبل ان يغمرها المدّ لتجد بها فروخ الاسماك مع الجزر, و كان الليل بالشاطئ كله سكينة و هدوء رغم الاعداد الغفيرة من المصطافين و الخيام فكل يحترم جاره و كل يلتزم بحدوده بل و اكثر من هذا فتلك العائلات بعضها تجمعها صلة القربى و اخرى نسجت تلك الخيام خيوط صداقتها .
      
براكة سيدي منصور و هي مقهى أزيل مع بداية اشغال مشروع تبرورة

   
      

samedi 16 mai 2015

سنجق صفاقس , و الراية المنسيّة التي افتكها المحتل الفرنسي

                         عند دخول العثمانيية الى أرض إفريقية و ضمها الى امبراطوريتهم , و اثر تطبيق التنظيم الاداري العثماني عليها . كان حضّ صفاقس أن نالت سنجق خاص بها و السنجق : كلمة تركيّة الأصل تعني الرمح و مكان الطعن , أما اصطلاحا فهو اسم يطلق في التقسيم الاداري للدولة العثمانيّة , فقد قسّمت الامبراطورية الى ولايات عرفت بإسم الواحد منها " إيالة"  و قسمت هي بدورها الى مناطق داخليّة عرفت بإسم سنجق تعريبا لكلمة لواء   و هو راية دون العَلم  لكتيبة عسكرية في الجيش الاسلامي.
        و كيف لا تحضى صفاقس بإدارية سنجق و قد عرفت منذ تأسيسها عديد المرات  الثوراة الاجتماعيّة و السياسيّة و بالتالي الانفصال عن الحكم المركزي و اعتماد حكم ذاتي و لو لفترة وجيزة  كان أبرزها عمقا و رسوخا في ذاكرة الشعبيّة بــصفاقس واقعت " الحاجوجة" و هي  الثورة على النورمان الفايكينغ و هم قبائل من شمال أوروبا سكنوا ايطاليا وجزيرة صقلية,  و اثر توسع الحملات الصليبيّة في حوض المتوسط و احتلال بعض الجزر و بعض الغارات على سواحل افريقيّة تشجعت القوى النورمانديّة على غزو صفاقس التي كانت  تصارع حكم بنو برغواطة اثر انهيار الحكم الصنهاجي , كان نهاية هذا الاحتلال النورماندي بقيام ثورة بقيادة سيدي عمر الفرياني ابن الشيخ سيدي ابو الحسن الفرياني و هو سلسل عائلة عربيّة قحطانيّة سكنت صفاقس . اثر هذه الثورة دخلت صفاقس مرحلة من الحكم الذاتي الى حين استقبال الحكم الموحدي . 



       بخلاف هذا طبعت بذاكرة صفاقس ثورة متزامنة مع ثورة علي بن غذاهم هي ثورة الباي مشري و الباي عسل (علي دريرة)  بعد تعسف المكاس اليهودي ( صباغ ) على بحار لم يعتني بــ"الماكس" (ضريبة على البضاعة بالاسواق) و قد تحدث الشاعر أحمد ملاك عن هذه الثورة و محامدها قائلا:
              تهنينا و الماكس بطل في دولة الباي مشري و عسل 

و كذلك على اثر هذه الثورة عادة عوائد الصافقسية الى حكهم الذاتي الى حين تلطف البايات الحسينيون لهم . 

      على خلاف هذا عندما فتح باي تونس البلاد امام الاحتلال الفرنسي قالت صفاقس  
           ( لاأحنا لا راضيين بالي راضي به سيدنا و لانا راضيين به
 و على اثرها قامت صفاقس بالاستقلال عن الدولة الحسينية و اعلان التبعيّة للـباب العالي ( الخليفة العثماني) و طلب المدد العسكري من القائم بأعمال العثمانيين بطرابلس حتى يتجهز الصفاقسيون للجيوش الفرنسيّة الا انّ هذا الدعم تأخر, عرفت صفاقس على اثر هذا , يوم 16 جويلية 1881 أكثر أيّامها دمويّة و بربريّة غازية  .
                    

            تبعا لكل هذه المراحل التي تنهج فيها صفاقس نهج الانفصال عن الحكم المركزي , كانت تعلوا أسوارها و خاصة برج باب الجبلي و ناظور باب الديوان الذي هدم اثر الغزو الفرنسي , راية خاصة تتكون من الاخضر والاحمر والاصفر




              
       يصطلح عليها في اللهجة العاميّة " السناجق" و يمثلون كما سبق اللواء و هو دون العلم و خاص بالجيش , و منه تمسكت صفاقس بسناجقها مختلفة عن بقيّة سناجق البلاد التونسيّة و باعتماد اللون الاصفر عوض الابيض خلافا لألوان البايات ( الابيض و الاخضر و الاحمر) .  
بخلاف هذه الدلالة السياسية لهذه الرايات لمخالفة البايات , كانت هذه السناجق موزعة على عديد الاماكن الاخرى المتمثلة في ابراج المراقبة و الحصون  (حصن الصخيرة , حصن يونڤة, حصن تنيور, برج المحرس, برج الكرك , برج اللوزة , برج خديجة...)  و ذلك للدلالة على التبعيّة الادارية , هذا بالاضافة لاكتسابهم صبغة قداسة دينيّة و ذلك باعتمادهم في جميع مقامات الاولياء الصالحين و الزوايا التابعة لصفاقس ( سيدي عبسة , سيدي بوعكازين , سيدي عبد الله بو غمامة , سيدي الهاني , سيدي عبد الكافي , سيدي ابو اسحاق الجبنياني , سيدي منصور...) حتى أنه في المعتقد الشعبي يكفي أن تعلّق هذه السناجق و تشعل شمعة او ( فتيلة زيت) يصبح المكان ذو قداسة و مبارك لمن يحترمه و ملعون لمن لا يحترمه و يسمى هذا المكان بــ(حوطة) و يطلق على هذه "الحوطة" أسماء بشرية كـحوطة " سيدي عبد القادر"  مكان عمارة "الامان" الان أول "ثنيّة العين".   كذلك أستعملت ألوان هذه السناجق ( الاحمر و الاخضر)  للنادي الرياضي التونسي (1912)  قبل ان يتغير اسمه الى النادي الرياضي الصفاقسي  (1962) و تغيير هذه الألوان الى الابيض و الأسود.
   لا تخلو سناجق صفاقس من القيمة التاريخيّة التي ترتقي بها الى مكانت العلم غير أننا لسنا بحاجة لطلاسم العجائز و المشعوذين بعد أن ارتبطت هذه السناجق شديد الارتباط بالشعوذة و كيف لا بعد أن شعوذته الاحتلال الفرنسي فيذكر أنّ مفتاح باب الجبلي و باب الديوان و هذا السنجق حجزتهم فرنسا منذ يوم 16 جويلية .
     
            تبقى صفاقس دولة و يبقى تاريخها مهضوم خوفا من نزعة الجهويات في حين هضم نصيب صفاقس من التاريخ هو تصرف جهوي  , إن التاريخ كما يقول ابن خلدون ( التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار و في باطنه نظر وتحقيق) فلا يضرّ التاريخ و لكن الفكر المتعصب هو الذي يُأثر فإمّا أن يُتعصب للتاريخ إلى ان يعيش ذلك الفرد غربة زمنية كالفكر السلفي أو يُتعصب على التاريخ إلى أن يعيش الفرد أزمة هويّة كالغراب الذي أراد تقليد مشيّة الحجل فنسي مشيته و لم يستطع تقليد الحجل فماهو من مشي الحجل و ماهو من مشيه.

dimanche 3 mai 2015

الحياة تعود الى " زقاق الذهب " بالمدينة العتيقة بصفاقس

           نهج الشيخ التيجاني حديثا أو زقاق ذهب قديما هو زقاق من أزقة مدينة صفاقس العتيقة , بالجزء الغربي من الربع الجنوبي ( ربع القصر) بالتوازي مع نهج سيدي بالحسن الخموسي يمتدّ من نهج القصر جنوبا الى نهج سيدي علي الكراي شمالا .
   
         زقاق الذهب كما يسمونه أجدادنا , تعود التسمية منطقيّا الى أن هذا الزقاق سكنه ( ناس قماقم ) أي شريحة إجتماعية راقيّة و لقربه من مركز المدينة العتيقة ( الجامع الكبير و الاسواق و المدارس و الكتاتيب و الزوايا ) و تبعا لذلك كانت أثمان العقارات بهذا النهج مرتفعة جدا و حكرا على كبار اهل البلاد و للمزايداة بينهم , هذا بالاضافة إلى ان العقارات هذا النهج غاية في الأناقة و الجمال و فنون المعمار الاسلامي و الاندلسي , لذلك فتسميّة هذا النهج مشتقة من قيمته . أما الرواية و الاسطورة فتتحدث عن قيام أهل صفاقس بإخفاء ذهب بيت المال بهذا النهج إبّان الغزو الاستعماري الفرنسي لصفاقس , و هي رواية لا تخلوا من الصواب لان سكان هذا النهج هم أصحاب القرار آن ذلك و هم المعنيين بحفظ مال خزينة المدينة , غير أن هذه الرواية سهلت الدحض من قبيل أن إبّان الغزو الاستعماري تحدثت الروايات المنقولة عن إجلاء النساء و الاطفال و الامتعة الثمينة الى الأبراج بالغابة و البساتين .
         اليوم هذا النهج يشهد حركيّة في الاصلاحات و الترميم على الحساب الخاص للمالكين في حين أن المجموعات الشبابية و حركية المجتمع المدني أخذت في التعرف الى معالم هذا النهج . يحتوي هذا النهج :
               -  زاوية أو كتاب سيدي على التريكي : و قد كان ابي علي التريكي شيخ علم ناسخ للقرآن يقضي يومه بها , ثم يعود الى منزله الكائن بطريق العين بـقريعة , اليوم هذه الزاوية هي مصلى قيد الترميم .
               - دار فريخة  ( أوائل محرم 1186) :   هي اليوم مقهى ثقافي ( مقهى المدينة )

            - دار العذار :  كان صاحبها قاضي شرعي , هي اليوم قيد الترميم
       
             -   دار الشرفي :  كانت مقر للاتحاد العام التونسي للشغل و شهدت عديد النضالات أيام الاستعمار الفرنسي و آخرها اعداد مؤتمر 11 نوفمبر 1955
            - مخبزة عبد الناضر ( 1812)

         
  نحن بحاجة إلى هذه التحركات , هناك عديد من الاماكن و الانهج مثل (بالقرب من متحف دار الجلولي هناك رحبة سيدي علي النوري و منزله و زاويته ) التي بحاجة الى التعهد حتى لا تبقى قلعة الاجداد حكرا على كلاب السوق و قطاطس الشماتة