سيدي علي النوري " النغوري يدكو سيدي علي النوري" تلك هي الدعوى التي نرددها عندما كنّا صغار عند لعب الغميّضة كي لا يغش الذي يغمض عينيه و يفتحهما و يسترق النظر الى اين اختبؤا اصحابه .
سيدي علي النوري :
هو ابو الحسن علي بن سالم ابن احمد بن سعيد النورى , شطورو كما هو مكتوب بايجازته الذي اخذها من جامعة الازهر . ولد سنة 1644 م بصفاقس أخذ العلم و الطريقة على يد الشيخ الولي أبي الحسن الكراي الوفائي صاحب الطريقة (الصوفيّة) الشاذلية بتونس في زمانه , في سنّ 14 عام رحل الى تونس لاتمام تحصيل العلم رغم فقر أهل داره و سكن بالمدرسة المنتصرية و الشمّاعية يذكر محمود مقديش في تاريخه عنه ( و لم يكن بيده قوة مال ,فلما نفذ ما بيده اشتدّ به الحال حتى صار يشتري يسيرا من التمر ,يغليه على بقية نار الطلبة و يشرب ماءه ليمسك رمقه,و يفعل ذلك مرات فاذا انقطعت حلاوته اشترى شيئا يسيرا غيره, و الطلبة يظنون أنه طعام مثلهم و ذلك حرصا على العلم و تعففا كما قال تعالى:"يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" وكان عليه سيماء الصالحين,فاطلّع عليه بعض أهل الخير, فعيّن له كلليلة نصيبا من الطعام يبعث له به يقتاته جريا على عادة أهل الفضل من تونس المحمودة قلّ من يشاركهم فيها الا من تشبّه بهم) و لمّا استكمل تحصيله بتونس أرسله بعض أهل الخير و الصلاح الى مصر لطلب العلم بالأزهر .
إنّ جاذبية القاهرة كانت محسوسة بالخصوص بالقسم الجنوبي من البلاد لاسيما في صفاقس و في جربة الى آخر القـ19ـرن و العائلات ذات المستوى المادي الحسن تؤسل اولادها الى الازهر و الطلبة الصفاقسيون يشعرون أقل غربة في القاهرة لان يجدون ابناء بلدتهم استقروا كتجار و احيانا كأساتذة و قد رحل كثيرا من اعلام ذلك العصر الى الازهر و قضوا به مدّة طويلة او قصيرة في التلقي عن أجلّة علمائه و استجازاتهم ,ثم عادوا الى موطنهم لبثّ العلم و الافادة .( من كتاب من أعلام صفاقس لمحمد محفوظ -بتصرف-)
ما عرف به سيدي علي النوري :
لما عاد سيدي علي النوري الى صفاقس أصبح قطب من أقطاب العلم بها و أسس بحارة سكناه (بشمال ربع المحمديّة, حومة الشعارة) زاوية لتعليم علوم الدين اتخذها من داره .
- شحذ الهمم و المساهمة في تكوين جيش لرد غزواة قراصنة مالطة (فرسان القديس يوحنا) و ذلك بـــ : فتوى الجهاد ضد هذه الغزواة بكتابه " الهدى و التبيين فيما فعله فرض عين على المكلّفين" , حركة انشاء سفن حربيّة كما هو بكتاب نزهة الانظار ( فتشاور مع أهل الفضل في انشاء سفن للجهاد , فوافقه أكثر الناس على ذلك فأنشأ سفنا و جعل الله فيها بركة , و انقطع جور الكفرة و غنم المسلمون منهم خيرا كثيرا و جعل مقدما على السفن يأتمرون بأمره و يصلي بهم إماما الشيخ الصالح ابن اخته الشيخ الأبرّ أبو عبد الله محمد قوبعة ,معلّم أطفال المسلمين و كان مقدما على ضريح منصور غلام) .
|
كان الشيخ عليّ النوري يكتب في أول ورقة من الكتاب تملّكه له و يذكر عدد أجزائه و يكرر صيغة التملك في كل جزء |
- تأسيس مكتبة هامة جامعة لجميع صنوف المؤلفات و العلوم و لم تقتصر على علوم الدين بل الفلك و الحساب و الطب و الادب و اللغة و التاريخ ... كانت هذه المكتبة اولى المكتبات بصفاقس و اهمها و لعل منها تعلم الشيخ و علّم أحفاذه علاج داء الكلب قبل اكتشاف "باستور " له باكثر من قرن فلكل ولي كرامة كما هومحفور بالذاكرة الشعبية بصفاقس و كرامة سيدي علي النوري علاج داء الكلب هذا العلاج كان متوارث عند أحفاد الشيخ الى أن جاء الاستقلال فابطل استعماله و حجّر عليهم صنعه .
نقل ما بقيّ من هذه المكتبة الى دار الكتب الوطنيّة بتونس سنة 1969.
- تحريم التدخين , و كان من أوائل علماء الدين الذين وقفوا أمام هذه الظاهرة , حيث يروى شيخنا النوري الكشو عن فتوى الشيخ و ذلك الزمان أن التجار "الاسبنيول" كانوا يهدون لكل زبون جديد علبة تبغ وفي المرّة الثانيّة بعض السجائر الى أن يصبحوا يبعون له السجائر و ألف في ذلك الشيخ كتاب " ثلاثة رسائل في تحريم التدخان".
زاوية سيدي علي النوري هي زاوية معروفة توجد خلف متحف دار الجلولي بساحة تعرف باسمه " رحبة سيدي علي النوري" بأقصى الشمال الشرقي لهذه الــ"ــرحبة" يوجد " سبط " ( السبط هو سقف لزقاق) يجمع بين دارين دار السلامي ( هذه الدار هي خربة لم يعد منها سوى الاسوارها الخارجيّة و لشدّة الاهمال بها نبتت بالسابق بها شجرة كرموس "شجرة تين" عملاقة جدا ترى حتى من خارج البلاد العربي من الجهة الشرقيّة ) أما الدار الثانيّة هي دار سيدي علي النوري و هي مازالت على ملك أحفاده , تتكون هذه الدار من طابق ارضي هو اليوم ورشة أحذيّة و من ألطاف القدر القائمون على هذه الورشة لم يلحقوا الاذى بهذه الدار أو برمزيتها حتى أنهم حدثوني بما خيّل لهم
بأنهم قد شاهدوا في مناسبتين رجلا وقورًا يعبر وسط الدار من الغرفة الشرقيّة الى الغرفة الغربية أو العكس, لعل الهيبة الرمزيّة للدار تمثلت لهم في ذلك المشهد تحسرا منهم على حال البلاد العربي و الاهمال الشديد لها , هذا يتبع الدار "علِيّ"(طابق علوي له منفصل عن الطابق الارضي) هذا الجزء الاخر من الدار يشكو تصدع كبير نظرا لان السبط الرابط بين المنزلين ( دار السلامي و النوري) يتداعى للسقوط في تلك الخربة , هذا العليّ لا يقلّ رونقة و جمال معماري عن أي منزل تقليدي بالبلاد العربي هذا و ان المنزل تركه أصحابه بأثاثه الذي نهب و لم يتركوا فيه غير ما لاقيمة له و مما لا قيمة له عند أولئك الناهبين نسخ توزع مجانا من مؤلفات الشيخ و التي طبعت على نفقة أحد أحفاد الشيخ " عبّاس النوري"
وفاته:
توفيّ الشيخ بعد حياة حافلة بجليل الاعمال و نافعها يوم 12 ربيع الانور 1118هـ / 25 جوان 1706 و جعل له مقام بالمقبرة العامة بالجزء الذي خصصه من أرضه لها لدفن موتى المسلمين و اوصى ان يدفن تلامذه بجنبه , تم اليوم ازالة هذه المقبرة التي أقيم على ارضها مشروع صفاقس الجديدة إلا انه تم الحفاظ على رفاة الشيخ دون قبّة المقام التي كانت تعلوه , يوجد الضريح اليوم بشارع الثورة او شارع 7نوفمبر سابقا بالحديقة الفاصلة بين مبنى الفرع الجهوي للبنك المركزي و مبنى بنك BIAT.
|
خريطة تقريبيّة لرحبة سيدي علي النوري و دار عائلة النوري |