منذ نشأت مدينة صفاقس 849م اتخذت لنفسها شكل المدينة الدولة (1) من ضمن مدن الساحل البربري, بحسب التسمية الاوروبية لتلك المدن التي كانت تعيق مصالحها الى غاية الق16 .
و لعل أديولوجيا المدينة الدولة التي لا تعترف بمفهوم لا للانسان ولا للمواطن الا داخل اسوارها, ما يفسر النزعة النرجسيّة التي لاتزال تضخ الى اليوم في دمائنا نحن أهل صفاقس , ومنه شكلت صفاقس في بلاد المغرب حاضرة تستقطب من الحواضر العالمية الهاربون من الفتن و ضيق العيش في تلك العواصم , في حين يتجمع خارج أسوارها من يهدمون القصور حتى يفوزوا بأثافي لقدورهم ان شئنا أسميناهم بــــالأعراب أو أطلقنا عليهم اللفظ الصفاقسي و الخلدوني '" العُرب "' .
من ضمن الوافدين على مدينة صفاقس عائلة مزيد و التي تشتت شملها منذ سنة (545هـ / 1150م) تاريخ نهاية امارة بني مزيد أو الامارة المزيدية الاسديّة التي حكمت أجزاء من العراق واستمر حكمهم لمدة قرن ونصف القرن من الزمان . قد ظهر هذا النسب مع الصراعات السياسية بين البويهيين و العباسيين , و الحملات البيزنطيين و مع الفتنة الاسلامية بين الشيعة و السنة.
عُرفت امارة بني مزيد بِزوغ نجم مزيد بن مرثد ابن الديان عندما عهد اليه أبو محمد المهلبي وزير معز الدولة البويهي بحماية مدينة سورا وسوادها وذلك بين عامي 950 _ 957 م .
وقد انتهز مزيد حالة الصراع التي كانت قائمة بين بني بويه فراح يحمي منطقته تارة ويغير على غيرها تارة اخرى . . مثلما اظهر براعة ومقدرة في معاقبة قبيلة خفاجة .
وعندما توفي مزيد خلفه ابنه علي , الذي كان يعتبر المؤسس الحقيقي للأمارة المزيدية , فقد أستغل النزاع القائم بين المسيب بن رافع العقيلي وأخيه حول السيادة على الموصـــــل , فأحتل الأنبـــــــار , لكنه خرج بعد المصالحة بين الأخوين .
في العام ذاته , خرج علي بن مزيد ومعه بنو أسد على بهاء الدولة وشقوا عصا الطاعة , وأخذوا يغيرون على نواحي واســـط , فجهز إليهم بهاء الدولة جيشاً لقتالهم , لكن علي بن مزيد هرب بين أيديهم , ثم عاد الى طاعة بهاء الدولة لأسباب أقتصادية وأمنية .
بعدها وقف المزيديون برئاسة علي بن مزيد مع العقيليين ضد البويهيين . لكن بهاء الدولة جهز ضدهم جيشاً أوقع بهم خسائر فادحة وقتل من المزيديين والعقيليين كثيراً واسر منهم اخرون كثيرون , وسار أبو جعفر نائب بهاء الدولة البويهي الى الحلـــة التي كانت مركز بني مزيد فنهبها .
هذا و يروي التاريخ ان في عام 985 م عهد الخليفة العباسي لعلي بن مزيد بولاية الحلـــة ومنحه لقب سند الدولة . وقد أضفى عليه هذا اللقب مكانه سياسية , عهد الخليفة اليه بعدها بحماية الحجاج . وعندما توفي علي بن مزيد عام 1013 م خلفه ابنه دبيس , ولقب بنور الدولة .
عرفت الامارة المزيدية آخر أيامها مع دبيس بن صدقة بعد أن انتهت حياته على يد السلطان مسعود 1132 م و كان مقتله اذانا بانتهاء هذه الامارة فقد دبت الحروب و النزاعات بين ابناء دبيس فسقطت الامارة سنة 1150م و اجلاهم الخليفة المستنجد بالله العباسي عن الحـــلة نهائيا و اسكن بدلا منهم قبيلتي خفــاجة و المنتفق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دولة المدينة هي دولة مستقلة أو ذاتية الحكم تقتصر سيادتها على المدينة و يعد هذا الشكل السياسي أقدم مظاهر الحضارة الانسانية خاصتا في منطقة الهلال الخصيب , ابرز اولى الدولة المدينة , مدينة أثينا و قد خط البراديغم الارسطي و الافلطوني تصورا للانسان على انه مواطن أثيني و كان يقام بينه و بين الاشياء حدّ , بحيث أمكن تجريده من صفة المواطنة مع أفلاطون ,
و لعل أديولوجيا المدينة الدولة التي لا تعترف بمفهوم لا للانسان ولا للمواطن الا داخل اسوارها, ما يفسر النزعة النرجسيّة التي لاتزال تضخ الى اليوم في دمائنا نحن أهل صفاقس , ومنه شكلت صفاقس في بلاد المغرب حاضرة تستقطب من الحواضر العالمية الهاربون من الفتن و ضيق العيش في تلك العواصم , في حين يتجمع خارج أسوارها من يهدمون القصور حتى يفوزوا بأثافي لقدورهم ان شئنا أسميناهم بــــالأعراب أو أطلقنا عليهم اللفظ الصفاقسي و الخلدوني '" العُرب "' .
من ضمن الوافدين على مدينة صفاقس عائلة مزيد و التي تشتت شملها منذ سنة (545هـ / 1150م) تاريخ نهاية امارة بني مزيد أو الامارة المزيدية الاسديّة التي حكمت أجزاء من العراق واستمر حكمهم لمدة قرن ونصف القرن من الزمان . قد ظهر هذا النسب مع الصراعات السياسية بين البويهيين و العباسيين , و الحملات البيزنطيين و مع الفتنة الاسلامية بين الشيعة و السنة.
عائلة مزيد يُنسبون الى عَقِبِ مزيد بن مرثد بن الديان بن عذور بن عدلي بن جلد بن حيي بن عبادة بن مالــك بن عمرو بن أبي المظفار مالــك بن عوف بن معاوية بن كسر بن ناشرة بن نصر بن سوابرة بن سعد بن مالــك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر(2) بن نزار بن معد بن عدنان (3).
و قد تحدث ابن خلدون عن نسب مزيد قال في الجزء الرابع من تاريخه: (كان بنو مزيد هؤلاء من بني أسد وكانت محلاّتهم من بغداد إلى البصرة إلى نجد وهي معروفة. وكانت لهم النعمانية. وكان بنو دُبيس من عشائرهم في نواحي خوزستان في جزائر معروفة بهم).وقد انتهز مزيد حالة الصراع التي كانت قائمة بين بني بويه فراح يحمي منطقته تارة ويغير على غيرها تارة اخرى . . مثلما اظهر براعة ومقدرة في معاقبة قبيلة خفاجة .
وعندما توفي مزيد خلفه ابنه علي , الذي كان يعتبر المؤسس الحقيقي للأمارة المزيدية , فقد أستغل النزاع القائم بين المسيب بن رافع العقيلي وأخيه حول السيادة على الموصـــــل , فأحتل الأنبـــــــار , لكنه خرج بعد المصالحة بين الأخوين .
في العام ذاته , خرج علي بن مزيد ومعه بنو أسد على بهاء الدولة وشقوا عصا الطاعة , وأخذوا يغيرون على نواحي واســـط , فجهز إليهم بهاء الدولة جيشاً لقتالهم , لكن علي بن مزيد هرب بين أيديهم , ثم عاد الى طاعة بهاء الدولة لأسباب أقتصادية وأمنية .
بعدها وقف المزيديون برئاسة علي بن مزيد مع العقيليين ضد البويهيين . لكن بهاء الدولة جهز ضدهم جيشاً أوقع بهم خسائر فادحة وقتل من المزيديين والعقيليين كثيراً واسر منهم اخرون كثيرون , وسار أبو جعفر نائب بهاء الدولة البويهي الى الحلـــة التي كانت مركز بني مزيد فنهبها .
هذا و يروي التاريخ ان في عام 985 م عهد الخليفة العباسي لعلي بن مزيد بولاية الحلـــة ومنحه لقب سند الدولة . وقد أضفى عليه هذا اللقب مكانه سياسية , عهد الخليفة اليه بعدها بحماية الحجاج . وعندما توفي علي بن مزيد عام 1013 م خلفه ابنه دبيس , ولقب بنور الدولة .
عرفت الامارة المزيدية آخر أيامها مع دبيس بن صدقة بعد أن انتهت حياته على يد السلطان مسعود 1132 م و كان مقتله اذانا بانتهاء هذه الامارة فقد دبت الحروب و النزاعات بين ابناء دبيس فسقطت الامارة سنة 1150م و اجلاهم الخليفة المستنجد بالله العباسي عن الحـــلة نهائيا و اسكن بدلا منهم قبيلتي خفــاجة و المنتفق.
أما اليوم فإننا لا نجد نسب مزيد لا بالعراق فقط و لا بـنجد بل إنّ هذا النسب ازداد انتشرا بالمشرق العربي و هو أرضه و مولده و لي كل الفخر أن أذكر من مزايدة فلسطين الشاعر العالمي منير مزيد (4) وبامتداده الى المغرب العربي , نذكر من موريطانيا الشيخ أحمد مزيد بن محمد عبد الحق الجكني الشنقيطي و من تونس الشيخ الزيتوني محمد مزيد مواليد 1920.
هذا ولعل من السذاجة و السخافة , ان نواصل في حروب اجدادنا العرب و نفتح ملفات قضايا اثبات النسب , و لكن أقيس معرفة الانساب بمعرفت التاريخ و كما يقول ابن خلدون التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار و في باطنه نظر و تحقيق .
هذا النسب الغريب بعض الشيء و خاصة لما درست في المرحلة الابتدائية و الاعدادية حروف العلّّة و المجرد و المزيد من الافعال , فقد كان السذج من الزملائي يسخرون مني و يقولون لي مزيد ثلاثي و رباعي فحتى صاحب الدرس -ليس اقلهم سذاجة-صار بارعا في قلب الانساب عند الخطأ جعله , الله معتل العين عافاكم الله .
يعسر اليوم ان نثبت فعلا اتصال عائلة مزيد بعقب مزيد بن مرثد لأنه كبار العائلة الموجودون و المنتقلون لم يتحدثوا يوما عن نسبهم هذا بالاضافة صلة الرحم اليوم الجِدُّ فاترة لكن من المتأكد منه بحسب ما وصلت اليه كل عائلة مزيد بصفاقس هي عائلة واحدة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دولة المدينة هي دولة مستقلة أو ذاتية الحكم تقتصر سيادتها على المدينة و يعد هذا الشكل السياسي أقدم مظاهر الحضارة الانسانية خاصتا في منطقة الهلال الخصيب , ابرز اولى الدولة المدينة , مدينة أثينا و قد خط البراديغم الارسطي و الافلطوني تصورا للانسان على انه مواطن أثيني و كان يقام بينه و بين الاشياء حدّ , بحيث أمكن تجريده من صفة المواطنة مع أفلاطون ,
(2) من فضائلهم وردت 16 رواية لحديث نبوي ( لا تسبوا مضر ولا ربيعة ولا إلياس فإنهم كانوا مسلمين )
(3) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْتَهَى إِلَى مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ أَمْسَكَ ، ثُمَّ يَقُولُ : " كَذِبَ النَّسَّابُونَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا سورة الفرقان آية 38
(4) شاعر وروائي ومترجم فلسطيني مقيم في رومانيا ، درس في إنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية، كتب في مجال الشعر والرواية و القصة القصيرة والأبحاث الأدبية باللغة الإنكليزية والعربية ، وترجمت العديد من أعماله الإبداعية إلى لغات عالمية متعددة ، ونشرت في الصحف والمجلات في كل أنحاء العالم ، وشارك في العديد من المهرجانات الثقافية العالمية... و صاحب فكرة مهرجان أوديسا العالمي للإبداع الشعري والالتقاء الحضاري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
*عيسى الحسن. تاريخ العرب من الحروب الصليبية إلى نهاية الدولة العثمانية/فصل الأحوال العربية قبيل الحروب الصليبية
*تاريخ الشيعة السياسي والثقافي والديني, الشيخ سليمان ظاهر
*الكامل في التاريخ لإبن الأثير. الجزء الخامس. أحداث عام 401: "ذكر الحرب بين بني مزيد وبني دبيس"
*تاريخ الشيعة السياسي ج1 من شبكة الإمامين الحسنين
*تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»الجزء الثالث
*البداية والنهاية:ج 12 ص 157 أحداث عام 523